بعد اتفاق الحكومة على قرار تعليق الدفع، بدأت الحكومة اللبنانية مفاوضات يديرها كل من الاستشاري المالي “Lazard” والاستشاري القانوني “Cleary Gottlieb”، تشمل المصارف اللبنانية وتهدف الى اقناع الدائنين الاجانب بالموافقة على الانخراط في عملية إعادة هيكلة منظمة للدين اللبناني. وتشمل المفاوضات صندوقي "أشمور" و"فيدلتي".
في 16 آذار يجب أن يكون لبنان قد أنجز خطّة محلية للإنقاذ، امر الموافقة عليها من قبل الدائنين الأجانب ليس محسومة، لكن الباب سيكون مفتوحاً لهم للتفاوض على أي نسبة من الاقتطاع من السندات تناسب لبنان ويتفهمونها بدون اللجوء الى دعاوى في الولايات المتحدة .
من جهته ،غرّد المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش قائلاً: أشجع الدائنين على العمل مع الحكومة لتفادي التخلف عن السداد غير المنظم بعد تعليق دفع سندات الاوروبوند.
واستنادا الى بعض المعلومات، ، فإن المصارف ساهمت برفع حصّة الأجانب من استحقاقات 2020 إلى 76% بدلاً من 29%.
امس ، خفضت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني تصنيف الديون السيادية اللبنانية بالعملة الأجنبية إلى "تعثر انتقائي عن السداد" من (CC/C)، محذرة من أن المحادثات بشأن إعادة هيكلة الدين قد تتعقد وتطول.
وقالت إنها ستلغي على الأرجح هذا التصنيف بمجرد مبادلة أي دين أو تفعيل اتفاق إعادة هيكلة بين لبنان ودائنيه.
في موازاة هذه المعطيات ، يطمئن وزير المال غازي وزني ان الخطة المالية والاقتصادية للبنان ستلبي توصيات صندوق النقد وتكون جاهزة خلال اسابيع .
ويضيف : ان الاتصالات الاولية بين لبنان والدائنين بدأت قبل ايام عن طريق "لازارد "وستزيد في الايام المقبلة .
رغم الأبعاد التقنية لقرار إعادة هيكلة الدين العام أو مواصلة سداد الديون، إلا أنه في الأصل قرار سياسي ستكون له تداعيات ونتائج قانونية ومصرفية واقتصادية واجتماعية.
من المعلوم ، انه مع دخول الدولة في مفاوضات مع الدائنين بهدف إعادة الهيكلة أو وقف الدفعات أو أعلنت أو فرضت ذلك، فإن كل السندات أو الضمانات تصبح متوجّبة الأداء. القرار بشأن الموافقة على المفاوضات أو الامتناع عنها يتطلب موافقة أغلبية حملة السندات بنسبة 75%.
بعد مرحلة دفع او عدم دفع استحقاق الدين باليوروبوندز انتصر تعليق الدفع ليترافق مع عبارة هيكلة الدين .
ولكن ثمة ايضا من تحدث عن جدولة .
ما الفارق بين المصطلحين في علم الاقتصاد مفهوما وتطبيقا ؟
ماذا لو فشلت المفاوضات مع الدائنين ؟
من المتعارف عليه ان تعديل هيكل الدين هو إمّا نتيجة إجراء قانوني أو بإتفاق بين الأطراف المعنيّة من أجل تسهيل الوفاء به .
اما اعادة جدولة الديون فهي عملية تتم من خلال التفاوض بشأن كلّ أو بعض القروض القائمة التي يواجه مدين صعوبة في تسديدها وتشمل تأجيل سداد الفوائد وأصل الدين.
وتشمل الجدولة ايضا التفاوض بشأن قروض جديدة لتحلّ مكان ديون قائمة أو لمدّ أجل قروض قائمة لتمكين المقترض من سداد ديونه .
الحاج
من جهته ، يحدد الخبير الاقتصادي رئيس "حركة المستقلون" رازي الحاج مفهوم الجدولة باعادة ترتيب الزمن لتواريخ الاستحقاق ، وهي شبيهة بعملية الاستبدال " السواب"اي دين بدين آخر. وهو اجراء التفاوض على آلية جديدة في ما يتعلق بتواريخ الاستحقاق .وقد تشمل الجدولة خلال التفاوض اي زيادة او تخفيض في نسبة الفوائد.
اما هيكلة الدين فهي عملية اصعب لأنها تتطلب اعادة النظر بالفوائد ، بأصل الدين ، وابعد من ذلك قد يتم الذهاب خلال المفاوضات على حجم الدين ، حيث تكون هناك امكانية باجراء اقتطاع .
ويقول " للاقتصاد" هنا ثمة لغط في استعمال الكلمتين. الهيكلة للدين قد تنطبق على الدين الداخلي. وقد تفرض على المصارف بعض الشروط في اطار منظومة الفوائد.
وفي ما يتعلق باستحقاقات اليوروبوندز وفوائدها فانها خاضعة للسوق العالمي وهي بنسبة 6% و 6.5% ، الا انه في موازاة ذلك ، من الممكن اعادة جدولة الدين الخارجي وهناك احتمال طفيف في النجاح في اعادة هيكلة الدين الخارجي اذ ان الصناديق والمؤسسات اشترت السندات من المصارف التجارية اللبنانية بسعر زهيد لامس الربع وبالتالي اعادة النظر باصل الدين قد يحقق لهم ارباحاً ايضاً.
اليوم، ليس من شيء واضح لسببين: اولا ان القرارات التي أتخذت بما خص استحقاقات اليوروبوندز في آذار جاءت متأخرة ، وليست استباقية لتاريخ الاستحقاق.
ثانيا: كان بالامكان اعادة جدولة او حتى هيكلة مبكرة من خلال التفاوض مع الدائنين. وهذا لم يحصل.
على المستوى القانوني، ليس هناك من خطر سريع كاجراء الحجز على اصول وممتلكات الدولة. الحصانة موجودة. وهناك سابقة في بعض الدول التي كانت في وضع مشابه للبنان على صعيد الدين العام.
ونظراً لعدم فعالية الإجراءات القضائية أمام المحاكم الوطنية، ظهر التحكيم الاستثماري كخيار محبّذ للمستثمرين وحاملي السندات السيادية.
لا بد من الإشارة إلى أنه لكي يتم اللجوء إلى التحكيم الاستثماري ضد أي دولة متعثرة، يجب أن تكون الدولة المدعى عليها قد تخلفت عن سداد ديونها العامة، إضافةً إلى انها فشلت في التقيد بالتزاماتها الدولية لجهة حماية الاستثمارات الأجنبية على أراضيها.
يعد المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار (ICSID) الهيئة القضائية الأمثل لإقامة دعاوى التحكيم ذات الطابع الاستثماري وذلك كونه مؤسسة تحكيم دولية تابعة لمجموعة البنك الدولي وقد تأسست عام 1966 بموجب ما يعرف باتفاقية واشنطن للعام 1965. وتظهر أحدث البيانات ان 153 دولة متعاقدة (بما فيها لبنان) قد وافقت على تنفيذ قرارات التحكيم الصادرة وفقاً لاتفاقية ICSID والتقيد بها.
بحكم معاهدات الاستثمار الثنائية هذه، توافق كل من دولة المنشأ والدولة المضيفة على تسوية أي نزاع ينشأ عن استثمار المستثمر الأجنبي عن طريق التحكيم. حتى تاريخه، ابرمت الجمهورية اللبنانية معاهدات استثمار ثنائية مع حوالي خمسين دولة مختلفة منها سويسرا وفرنسا وبريطانيا والكويت والامارات والدول اخرى.
هناك احتمال كبير أن يلجأ الدائنون حاملي السندات من غير اللبنانيين، والذين ترتبط دولهم باتفاقيات استثمار ثنائية مع لبنان، إلى تطبيق اتفاقية ICSID وإقامة دعاوى تحكيم استثماري ضد الدولة اللبنانية، بالتالي، في حال السير في دعاوى التحكيم الاستثماري، يمكن لحاملي السندات من غير اللبنانيين التنفيذ على أموال الدولة اللبنانية وسائر الأشخاص المعنويين ذوي الصفة العامة ، وهذا ما يجب أن تحتاط منه الدولة اللبنانية نظراً لجديّة وخطورة الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية التي قد تصيب لبنان واللبنانيين.
وهي تندرج كما قلنا في نطاق حماية الاستثمارات الخارجية. وحامل سند اليوروبوندز يعتبر مستثمر خارجي. بامكانه رفع شكوى تحت عنوان " حماية الاستثمارات الخارجية"، وعدم احترام لبنان للاستثمار الخارجي . الدولة ملزمة بتطبيق الاحكام للحؤول دون فرض الحجز التجاري من قبل الدول .
من الاهمية اجراء التفاوض مع الدائنين للوقوف على القرار الصائب .
ويذكر الحاج ان المصارف اللبنانية باعت سندات اليوروبوندز استحقاق 9آذار. واستحقاقات اخرى ابرزها استحقاقات طويلة الاجل 2028-2037. باعت بسعر متدن 25سنت للسهم . الصناديق الخارجية اشترت نسبة اكثرمن25 % من مجموع السندات . وبالتالي ، اصبح بمقدورها تعطيل القرارات . وفي ما يتعلق بحاملي سندات الاستحقاق الطويل الآجل فهي ليست في دائرة الخطر.
خفض خدمة الدين العام
وعن الاجراءات الممكن اتخاذها يرى ان تطبيق عملية ال HairCut يصح على حاملي سندات الخزينة اللبنانية الذين استفادوا من الفوائد الكبيرة. وبالتالي، فان الحسم على الفوائد سيساهم في خفض خدمة الدين . وثمة معلومات ان هذا سيخفض خدمة الدين العام ما بين 2500مليار ليرة و5500مليار ليرة في العام 2020.
ويختم الحاج ان السؤال الاهم يبقى من أين تأتي الدولة بالتمويل الخارجي لاقتصادها كي تتمكن من التحوّل التدريجي نحو الاقتصاد المنتج وتخفيف من العجز الكبير في الميزان التجاري؟ معتبراً ان لا حل الا بضخ اموال اجنبية في الاقتصاد في المدى المنظور والتأخر في طلب المساعدة الدولية وخصوصا من صندوق النقد الدولي، ادى الى تعميق الازمة وزيادة الشح في سيولة الى ان اصبح حاداً جداً، ولتأمين المساعدة وانجاح خطة التفاوض لا بد من اجراءات فورية واصلاحات الهيكلية في الموازنة وتحقيق فائض فيها والخدمات العامة والقطاعات الاساسية، لا سيما الكهرباء وحجم القطاع العام وتعيين الهيئات الناظمة . وهذا غيض من فيض ويبقى المفتاح الاساسي لاعادة ثقة المجتمع الدولي والمؤسسات والصناديق المالية العالمية في اعادة النظر الجدي بدعم لبنان وتأمين خروج منظم من الانهيار المالي والنقدي والتشوه الاقتصادي والاجتماعي الذي طاله عبر السنين السابقة.
"ميريل لينش" متشائمة بتغييب صندوق النقد ؟
مصطلح الاقتطاع او الحسم في الدين العام يحضر اليوم في الكلام المنقول عن المفاوضات .
ما ذا تقول الوكالات الدولية المراقبة ؟
رسمت "ميريل لينش" فرضيات لعملية إعادة الهيكلة، واحدة تكون منظمة من خلال اتفاق الحكومة مع صندوق النقد الدولي على برنامج واضح ومحدّد، وثانية تكون فوضوية، لكنها تعتقد أنهفي ظل الوضع القائم، فأن برنامج صندوق النقد الدولي يصبح ضرورياً.
في ظل سيناريوالفوضى تتوقع "ميريل لينش" أن تكون نسبة الاقتطاع للدين الحكومي بما بين 70% و80%. ومع الخضوع لبرنامج صندوق النقد، فإن الاقتطاع من كل الدين الحكومي سيكون 50%، وبنسبة مماثلة على فوائد سندات اليوروبوندز. السوق يتوقع أن تكون نسبة الاقتطاع 35% على قيمة السندات والفوائد.
وفد الصندوق آثر إبلاغ الجميع رسالة واضحة: "قدّموا خطّة لأبني تحليلاً وتعليقاً عليها، أما المساعدة التقنية فهي تتم عندما يطلب لبنان بشكل رسمي الانخراط ببرنامج مع الصندوق."
في نهاية المطاف ، يبقى خيار التفاوض مرتبطا بإمكان نجاح الدولة في انجازه مع 57% أو أكثر من حاملي السندات ، بإعادة هيكلة لاحقة لهذه السندات تكون ملزمة لسائر الدائنين، واما ان تفشل في التفاوض، وعندها قد تضطر الى مواجهة الاجراءات القانونية التي قد يقيمها دائنوها في وجهها.
بالتأكيد، لا ينقص لبنان المزيد من العراقيل والمطبات ، من هنا فان عملية حسّاسة تتطلب حنكة ورؤية اقتصادية ووطنية.